كرك، جوز هند، والطبيب الزائف
صباح الخير، قبل كتابتي لهذه التدوينة كنت جالسة على الأرض أتناول الفطور وأتلذّذ بكل مافيه، استيقظت في شهيّة شديدة للكرك، ولديّ وصفتي الخاصة التي استقيتها من عائلة أمي ذوي الأصول الآسيوية المختلطة بين الهند، باكستان وميانمار.
وصفتي تحتوي: شاي أسود قوي وثقيل، حليب مبخّر، حليب مكثّف محلّى (تقول أمي أنها تحبه لأنّ له نكهة فانيلّا لطيفة)، القليل من القرفة والزعفران والزنجبيل، والكثير الكثير من الهيل.
بجانب ذلك، حضّرت براتا بالبيض والجبنة القشدية، وسخّنت قطع من كعك جوز الهند.
كنت أشاهد حلقة من بودكاست "فاكهيّ قليلًا"، يتحدّث عن د. فيل، الرجل الذي تقيّأته أوبرا لنا أواخر التسعينات وورطنا فيه في بدايات الألفينات.
في إحدى حلقات برنامجه القذر، بدأ الحلقة بـ"ماذا لو كنت تربي مجرمًا من منزلك"، وجعلنا نشاهد مقاطع قام فريقه بتصويرها لطفل في التاسعة من عمره يقوم بأفعال عنيفة تجاه أخته والحيوانات في المنزل دون ندم، وأفعال أخرى.. سألت ضيفة البودكاست المقدّم حينها، "هل كان التبوّل اللاإرادي من تلك الأفعال؟" واتضح أنه كان.
انفجرت الكثير من الذكريات في ذهني حينها، نشأت في بيت مضطرب، تعرّضت فيه وعائلتي للاعتداء من قبل فرد في العائلة، من أعراض ذلك، أنني وإخوتي بقينا نعاني من التبول اللاإرادي في طفولتنا حتى البلوغ.
تذكّرت حينها، كيف كانت بقيّة العائلة تخشى من مبيتنا لديهم، مع نظرات من التقزّز، كان هناك الكثير من العار، الكثير من الاحتقار، ولم يكن هناك أبدًا سؤال: "ما الذي يحدث لهؤلاء الأطفال؟ وكيف يمكننا إيقافه؟".
أوقفت الحلقة، وذهبت لأسكب لنفسي المزيد من الكرك، وتذكّرت حينها كلام صديقة لي تقوم بتنسيق معرض فنّي الآن، وهي تحكي لي عن نواياها تجاه هذه التجربة، كيف تتمنّى أن يكون هذا المعرض مساحة آمنة وحميمة ومألوفة، تنبثق في داخلها الذكريات بهدوء، ذكريات كانت مختبئة ودفينة، نستطيع الآن أن ننظر إليها بحرية، وأن نتذكّر ما شعرنا به حينها، وما نشعر به تجاهها الآن.
أحببت ما قالت، ما هذه النية الطيبة؟
ليس كلّ ما في الماضي يستحقّ الحنين، هذا ما لا يفهمه من لم يخرج هذه الذكريات من مخبئها، واختار أن ينكر كلّ شيء، وظنّ أنه بذلك قد نجا؟ ثم تأتي لحظات، تكون فيها مشاعره وتصرّفاته مفاجأة بالنسبة له، حينها فقط يتساءل عن السبب.
يحبّ الكثير من الناس العيش في الماضي، لكن ليس الماضي الحقيقي، بل النسخة التي قاموا بتشكليها عنه، حتى لا يضطروا للتعامل مع أيّ مما حصل فيه، فهذا أمرٌ مرهق، دعنا نركّز على الهروب من اللحظة الآن، نحن مشغولون.
__
خيريّة، تحدّق في الكرك بعدما برد.
السبت، السادس من سبتمبر ٢٠٢٥
الساعة الثانية عشر ظهرًا.
تعليقات
إرسال تعليق