بئر عطشان
ليس هناك ما يستحقّ الكتابة، هذا ما أشعر به منذ آخر صفحة. حتى أنتم، لمَ ينبغي عليكم أن تقرؤوا ما أكتب؟
أنتم الآن تقرؤون وترون الكثير من الأشياء على أجهزتكم المحمولة يوميًا، ما الفائدة من إضافة شيءٍ آخر.
أشعر الآن أن الكتابة فعلٌ أنانيّ، سئمت من الاتصال ذو الاتجاه الواحد، هذه التسيمة التي تعلمتها في كلية الاتصال والإعلام..
هل أسلّيكم؟ أنا أكتب لأسلّي نفسي في الحقيقة.. شاهدت فيديومؤخرًا لكاتبة تقول بأن العالم يحتاج إلى فننا.. سأحاول أن أصدّقها..
سأستخدم ما قالته لأقنع نفسي بأني أنانية إن لم أشارككم هراء أفكاري، وأن الكتابة بقصد المشاركة فعلٌ نبيل.. مشّوها.
من المفترض أن أدرس الآن، لا دافع أقوى للكتابة من الهرب.
أودّ أن أحكي لكم اليوم عن عطشي، لطالما اشتكيت لكم من العطش، لكن اليوم أودّ أن أشارككم أخيرًا، أنني أصبحت أرتوي رويدًا رويدًا.. على قولتهم يعني.
العودة إلى المنزل بلا عمل أمر ممتع جدًا، سمعت الكثير من الموسيقى، وشاهدت الكثير من المواسم لعدة مسلسلات، ذهبت إلى أكثر من معرض فني، أشعر أن الحياة عادت تبثّ نفسها قليلًا في داخلي.. أليس ذلك جميلًا؟
لطالما طفشتكم بهذه العبارة: "ألسنا أغنياء؟ لدينا كل هذه الموسيقى التي لم نكتشفها بعد، الكتب التي لم نقرأها بعد، الناس الذين لم نعرفهم بعد والبلدان التي لم نزرها يومًَا.."
أليست الدنيا كبيرة وواسعة؟ لم نشعر أنها ضيّقة جدًا أحيانًا؟ أعترف، أضيّقها على نفسي كثير. أنا السبب.
أمس قلتها لمعالجتي النفسية، قلت لها "أنا السبب"، ضحكت، أشعر أنها تفاجأت من مريض يعترف بأنه السبب، ويعنيها فعلًا.
بس والله من جد، الأمر ليس حفلة شفقة وجلد للذات، أنا فعلًا السبب في أشياء كثير، ربما في أغلب الأشياء ههههه
لنعد إلى الغنى والفقر، هناك شعور آخر، عندما أشعر بالارتواء، أشعر بالذنب. لأسباب كثيرة..
أشعر بأن قدرتي على الولوج إلى عالم الفن، وامتلاك لغته، امتياز حصري، لا يجب أن أستحقه وحدي.
ربما ذلك ما دفعني لاختيار إمكانية الوصول كموضوع رسالتي في الماجستير.. لا نبلًا مني.
أو ربما كذلك؟ لا يهم.
على قدر إيماني بالفنون جميعها، وأثرها العظيم على ذاتي، فالفن هو ما أنقذني وأنجاني -بالإضافة إلى العمل والكثير من الحظ-..
إلا أن انغماسي بها أحيانًا يشعرني بأنها مخدّر، مهرب، من أمور كثيرة، وهي مهرب لا يمتلكه الجميع، كم أودّ أن أعطي ما أشعر به للكثير من الناس حول هذا الكوكب الآن.
أستهلك الكثير من الأشياء يوميًا، لا بأس في ذلك، بعضها جميل وبعضها مؤلم، تلك هي الحياة.
لكن عندما أخرج شيئًا للعالم، أو أود مشاركة شيء، أشعر أنني أضيف إلى هذا الثقل.
أنتقد نفسي كثيرًا، وما أنتقده في الناس أفعله كثيرًا، لطالما انتقدت من يكثر الكتابة عن الكتابة، وها أنا أتحلطم عنها بين كل سطرين.
لكن عندما قلت أضيف إلى هذا الثقل، لم أقصد كتابتي فقط، أشعر بالثقل أيضًا عندما أشارك أغنية مع صديق، أصبح لديه مهمة الآن عليه أن يفعلها اليوم "أسمع ايش أرسلت خيرية"، لماذا؟
أعلم أن هذه الأفكار غير مجدية، وغير حقيقية، فأنا لا أشعر بالثقل حين يرسل لي صديق كتاباته، أو حين تشارك صديقةً أغنية أو فيديو.
لكن حين ترى العالم ممتلئًا، ألا تودّ أن تفرغ منه قليلًا؟
تعليقات
إرسال تعليق