صفحات النّهار - الصفحة الثالثة عشر

 تقول لوكا: "يسألني الليل أين الرفاق؟"، لا أرى الليل شخصًا، لكن أراه حيًا، أرى أنه ربما له أفكار ومشاعر، وأشياء أخرى لا نمتلكها نحن. أعتقد أن من السخرية أن يعتقد الإنسان أن كلّ كائنٍ حيّ هو بالضرورة يشبه الإنسان، تحدثت من قبل مع شخص -لندعوه بابّاي-، عن علاقة الإنسان بما حوله، الحيوان تحديدًا، كيف يتقزّز الإنسان أو يخاف من بعض الحيوانات، يقول بابّاي: غالبًا ما يحصل ذلك عندما يكون مظهر هذا الحيوان أو ملامحه بعيدة كل البعد عن الإنسان. 

الإنسان دائمًا ما حارب كل شيء لا يشبهه، وما لا يعتاد عليه.. في البداية على الأقل.. حتى يكتشف أن الكائن الآخر غير مؤذ.. أليس مضحكًا؟ أن هذه الأزمة لا زالت موجودة منذ بدء البشرية؟ كل الخلافات حول الاختلاف.. مضحك وبائس صراحة، أننا ما زلنا نجري حوارات ونقاشات حول من/ما لا يشبهنا وما إذا كان له حقوق، وينبغي أن نثبت دائمًا وأولًا قبل شيء أنهم "مثلهم مثلنا" ليستحقوا ما لهم من حقوق. 

فين رحت أنا؟ تيّار الآن يغنّون في أذني أغنية "المكتوب"، أخبرت صديقًا مرة. لا فن على وجه الأرض يهزم فن الأداء. كلّ لوحاتكم وأعمالكم التركيبية ومنحوتاتكم وقصائدكم، وحتى كتاباتي هذه، ستختفي إن كان هناك راقص في نفس الغرفة، أو فرقة موسيقية تغني. كل شيءٍ حولنا في المعرض الفني لا يعني لنا شيئًا، حتى نرى الإنسان! الإنسان في بحث دائم عن الإنسان، عن الصلة، عمن سينظر في عينيه ويبتسم له، ويعطيه هذا التوكيد: "أنا أراك، وأنا أقوم بهذا لأجلك". 

الإنسان للإنسان. كلّ شيء آخر، في الحقيقة.. لا نهتم به. تختلفون معي، أراكم تختلفون وأنتم تقرؤن. توقفوا رجاءً! أمزح. 

يقول أحمد فكرون: "وين ضاع الحنان"؟ أذكر صديق لي كان له عبارة شهيرة: "الناس تحتاج طبطبة"، وهو محقّ، ولكن.. لا يا معن، مو كل الناس. لا أعرف.. كيف ننظر إلى الصلة؟ هل نحن على صواب إذ وضعنا لكلّ شيء اسمًا؟ كنت أشعر بالغضب، والتعب، وكلّ شيء المشاعر السلبية قبل يومين، زميلتي قالت لي: "تعالي أعطيكي physical contact"، كان الأمر لطيفًا. أدركت حينها في تلك اللحظة، كم عدد اللحظات في اليوم التي أتلقّى فيها "تواصل جسدي" أو أيًا كان.. أعتقد أن المفاهيم يصبح لها وجود ماديّ عندما نضع لها اسمًا.. أو هكذا أشعر.. 

"ضميني بحضنك، احكي لي قصة" تقول ربى شمشوم. أريد أن أحكي قصصًا، لم يرتبط الحكواتي بالأطفال؟ أريد أن أحكي للكبار، وأريدهم أن يحكوا لي. أعتقد أن هذا ما نفعله مع أصدقائنا في جمعات المساء، ومع زملائنا في الصباح، ومع عائلاتنا على السفرة.. نتبادل الحكايات. لطالما عبّرت عن رغبتي في فتح متجر، نبيع فيه الحكايات ونتبادلها. نسمّيه "سوالف للبيع"، أريد أن يكون الشعار الصوتي على وزن أغنية "كيوبد للبييييييييييييييع بييييييييييييييييييع" لثلاثي أضواء المسرح. تدخل المتجر، تسمع الشعار عند فتحك باب المتجر مثل جهاز "صلّ على محمّد" في الصيدليات. ثم تجدني على الكاشير، أقول لك: "كيف حالك ياقمر؟ بكم سالفتك؟" ستقولون لي "أنتِ جداوية! المفروض تقولي هرجة مو سالفة" وأقول لكم: "هروج" لا تملك نفس وزن "كيوبد"، خلوني أكمل! 

"خايف ليه؟ وقلقان من ايه؟" يقول محمود العسيلي. حتى الأغاني! تراها سوالف وحكاوي. اوه! تخيّلت! سأقول لبعض الزائرين: "ايش حكايتك ياقمر؟" بدلًا من سالفة، بكيفي. أغيّر لما أبغى. المهم، هذا المتجر مثل محلّات الذهب، يمكنك أن تشتري سالفة، أو تبيع سالفتك. كيف نقدّر قيمة السالفة؟ أنا طبعًا أقرّر، لكن سيكون هناك اعتبار لما هو سائد، وفي بعض الأحيان، السائد لن يكون له اعتبار. الميزان ميزاني، وهذا متجري. 

انتهت الصفحة. 

تعليقات

مقالات فنية

من هو القيم الفني؟

ماذا ينبغي أن يقول الفن؟

لا بأس، ستأتي فرصة أخرى