شريطة سوداء

 وصلتها هدية مغلّفة، بشريطة سوداء، فتحتها بسرعة، صُدمت مما في داخلها! كانت هدية غريبة، غير لائقة! خبّأتها فورًا لكي لا يراها شخصٌ آخر في المكتب. يا تُرى؟ من قد يرسل لها شيئًا كهذا؟ أهي صديقتها تمازحها؟ ما هذا المزاح! لم يكن الأمر منطقيًا. عادت إلى عملها بصعوبة، كيف لها أن تركّز؟ شعرت بالإهانة قليلًا، شعرت أن من أرسل لها هذه الهدية يعلم أنها وحيدة وأراد أن يذكّرها بذلك. حاولت طرد هذه الأفكار، لكن هذه الفكرة المخيفة كانت احتمالًا ألطف بكثير، من أن يكون المرسل رجلًا مريضًا يعتقد أنها طريقة جيّدة لمغازلتها.

قاطع مديرها صوت أفكارها "لمي أغراضك، بتروحي عند العميل". قالها وهو ينظر إلى هاتفه ثم ابتعد عن مكتبها وذهب ليخرّب يوم شخصٍ آخر. 

"مو وقته"، قالت وهي تجمع أغراضها وتخبئ الهدية داخل حقيبتها. لم يكن الأمر سيئًا عندما ذهبت إلى العمل في مكتب العميل، الكل كان لطيفًا وبشوشًا، محافطين قليلًا.. كان ذلك مقلقًا وساخرًا أيضًا بالنسبة لها، ماذا لو عرفوا عن الهدية في حقيبتها؟ في الواقع، الهدية ليست بذاك السوء، سيشعر المحافظون والزنادقة بغرابتها على حد سواء. قد لا يكون الأمر أخلاقيًا. هي فقط غاضبة.. من الجرأة.. من الوحدة. 

تسلّلت من عملها لترى صديقًا، لم تكن جائعة، أخذها لمكانٍ تحدّث عنه بشغف، وطلب الكثير من الطعام، لم يأكله هو حتى.. لطالما أحبّت بريق عينيه حين يحكي لها عن أي شيء بشغف. أحبت دهشته كثيرًا، اعتادت من يعتادون كل شيء. في لحظةٍ ما، أخبرها أنه هو من أرسل الهدية، فوجئت بشدّة، تظاهرت بأن الأمر عاديّ، وأنها توقّعت ذلك. كان لديها الكثير من المشاعر، أقواها الغضب. قالت له بنبرة هادئة مازحة تطلب منه التفسير: "يا قليل الأدب!"، قال لها: "اسمعيني.." وبشكلٍ ما لا تذكره، استطاع تبرير هديّته الجريئة! هل هو ذكيّ لهذه الدرجة؟ أو ساحر فقط؟ أو أنها حمقاء، تصدّق ما يقوله لها بسهولة وهو يعلم ذلك؟ لا تشعر أنها تصدقه كثيرًا، لكنها كما يقولون "اشترت".

غيّرت الموضوع. قررت أن تحسم قرارها حوله لاحقًا. ربما تضربه إن شعرت بالمزيد من الغضب. أرادت أن تنهي اللقاء، عليها العودة إلى العمل، رفض، سحبها إلى ما سمّاه "مغامرة"، لم تقاوم كثيرًا. بعد مسافة طويلة من المشي والحديث، شعرت وكأنها أفاقت! كانوا في مكان شبه مظلم! انتهى اليوم! أشياؤها في المكتب! والهدية؟! الهدية في حقيبتها معها. اطمأنّت قليلًا، ثم شعرت للحظة عندما نظرت إليه أن الأمر ليس منطقيًا، من المستحيل أن يجلب لها هدية كهذه! قاطعت حديثه فجأة عندما فلتت من لسانها: "دحين من جد انت جبت لي هدية ولا كنت أحلم؟" قال لها:" ايوا جبت لك هدية وغيرتي الموضوع"، وعاد لإكمال حديثه.

شعرت بالحيرة، لا زالت لا تصدّقه، ولا تصدّق أن ذلك لم يكن حلمًا، سكتت، حتى بعدما أنهى حديثه، بقي صامتًا هو أيضًا. لا زالوا يمشون بلا وجهة. تأخرَت كثيرًا، المكتب أصبح فارغًا. بينما هي غارقة في الحيرة، فجأة! ببطء.. أخذت يده اليسرى قارورة الماء من يدها اليمنى، وأعطتها ليده اليمنى، وأمسكت بيدها. كانت مستسلمةً تمامًا، اتسعت عيناها في هلع! استمرت بالنظر إلى الأمام، لم تقل شيئًا. رأى نظرتها، لم يقل شيئًا.

مشوا قليلًا على ذلك الحال، ثم وجدت نفسها في المكتب، في صباح اليوم الثاني. "ماذا حصل؟" لم تصدّق نفسها. لا زالت تعتقد أنه كان حلمًا، كانت متوتّرة جدًا، تلعثمت عندما حكت لصديقاتها ما حصل، بل شاهدت يداها ترتجفان أثناء حديثها.. عبّرت لهم عن خوفها وخجلها الشديد من رؤيته مرة أخرى أو الحديث إليه. صديقتها الأولى أمسكت بيديها برقة لتهدّئها، والأخرى قالت: "ياخي لا تسوي مصدومة كلنا كنا عارفين إنه عاجبك من زمان"، أما هي، لا زالت في صدمة. "بنات مو منطقي، أكيد كنت أحلم"، حينها أيقنت، أن ردة فعلها أيضًا لم تكن منطقية، ربما هذا حلمٌ أيضًا.. لم يبدو الأمر مجنونًا؟ ببساطة، لا تتّسق الأحداث والأفعال مع الشخصية.. لطالما ظنّت أنها عرفته، لن يقوم رجلٌ كهذا بأفعالٍ جريئة كهذه.. وإن كان جريئًا لهذه الدرجة، لم ترك الأمر عند "مسكة يد"؟ تذكّرت حينها فجأة، أنهم جلسوا بعد ذلك على كرسيّ في الشارع، ووجّه جسده نحوها، نظرت إليه ورأسها لا زال في مكانه، أحسّت بأصابعه على ذقنها وأصبح وجهها أمام وجهه، عيناها أمام عينيه، تذكّرت أنهم في الشارع! ماذا يريد أن يفعل؟ هل سيقبّلها؟ "ياشيخة احنا فين.. هذا حلم أقسم بالله" استيقظت مرة أخرى. 

تعليقات

مقالات فنية

من هو القيم الفني؟

ماذا ينبغي أن يقول الفن؟

لا بأس، ستأتي فرصة أخرى