صفحات النّهار - الصفحة الخامسة

 الأحلام ما هي عبث. هكذا كنت أسمع في صغري، وكنت لا أفهم ما هذا الهوس حول الأحلام، كيف تكون في القرآن أحيانًا "أضغاث أحلام"، وكيف تكون قوة خارقة ومعجزة يمتلكها نبيّ حتى تخرجه من سجن وتجعله وزيرًا على خزائن الأرض! ياللهراء.. جانب مني لا زال يرى أنه كان يفهم الأرض، لا أكثر من ذلك، "يعرفون بيئتهم" هذا ما قاله الخبير العراقيّ الذي قابلته بالأمس عن عادات السومريين في الزراعة. إنما ما نراه في الأحلام في رأيي هو ما يشغلنا، ما يؤرقنا، ما نهتم به، وإن كنت تعرف الأرض، وتراها في الحلم، ربما تستحقّ أن تكون أمينًا عليها؟ 

علاقتي مع الأحلام كانت معقّدة، قد نرى أن هناك نوعان من الأحلام، أحلام جيّدة، وأحلام سيّئة، أو ربما نرى أن هناك حلم وهناك كابوس، وأن لا علاقة لهما ببعضهما، لطالما ظننت ذلك. عانيت طوال حياتي ولا زلت أعاني من الكوابيس، لكن حين أيقنت أنها مجرّد انعكاس لما بداخلي يحاول الخروج إلى السطح وأبقيه دفين الماء، استطعت أن أخفّف من وجودها. في الإقامة الفنية في بيت شعيب، سألت القيمة الفنية المقيمة نايرا زغلول الزوّار عن أحلامهم، وعن الحكايات الشعبية والخرافات التي يؤمنون بها. لم وضعت الأحلام بينهم؟ تساءلت.

حلمت البارحة بشخصٍ لا أريد التفكير فيه، "رشّ" إن كنتم تذكرونه في تدوينة سابقة. أعرف لماذا حصل ذلك، لا نريد الخوض في ذلك، لكن ربما يحفّزني ذلك على التحكّم بأحلامي؟ هل ألقي على أحلامي ما أريدها أن ترسم لي؟ هل أصنع أفلامي الخاصة؟ يبدو الأمر حالمًا؟ آسفة كان لازم أقولها.. لكن لنتكلّم بجدية، أخاف أن أخسر الكثير. أعرف أنني أستطيع. عملت مع معالجتي النفسية على تغيير نهاية إحدى الكوابيس، ببساطة أن نكتب نهاية أخرى أفضل، ونجحت! لم أخسر شيئًا في هذه التجربة، بل كسبت. لكن أفكّر في هذه المعركة أيضًا عند التفكير في أخذ أدوية اضطراب ما بعد الصدمة، أو أدوية القلق والاكتئاب.. هل سأخسر مشاعرًا حقيقية امتلكها؟ أم هي "لخبطة" تتحوّل إلى اتزان؟ أبدو جبانة.. أليس كذلك؟ لا أريد أن أخسر ما يجعلني إنسانًا. 

بالأمس سمعت مقولة لتولستوي: "إن كنت تشعر بألمك، فأنت كائن حيّ. إن كنت تشعر بألم الآخرين، فأنت إنسان". هل كان يوسف يشعر بألم الأرض؟ هل تحلُم الحيوانات؟ بم تحلم؟ ماذا إن شعرت الحيوانات بآلامنا يا تولستوي؟

لطالما اخترت أن أكون واعية دائمًا.. زيارة اللاوعي مخيفة، لكنها تكشف لي الكثير. ربما لو ملكت مفاتيح أبوابه أصبحت الزيارة أقلّ ثقلًا؟ من المضحك بالنسبة لي أنني كنت أخلط ما بين الوعي والسيطرة، كنت أعتقد أن ما أعيه يمكنني التحكّم به، أعلم الآن أنني لا أستطيع. لكن أليس من المضحك أننا إلى حدّ ما نستطيع التحكم باللاوعي؟ 

___ 

"ولي فيها مآرب أخرى" 
هل أكثر من ذكر الآيات وقصص الأنبياء هذه الفترة؟ لا أهتم. لطالما تأمّلت هذه العلاقة الحميمة بين الإنسان الوحيد الذي كلّم الإله بلا وسيط، (إن تجاهلنا أن آدم ربما فعل ذلك أيضًا). كيف للإله أن يسألك ما تلك بيمينك، وتسرد له ما هي؟ أليس يعرف ما هي؟ لم يسألك؟ لم لم يقل موسى "تلك عصاي" ويسكت؟ لم بدأ بشرح ما يفعل به؟ ولم توقّف فجأة وقال أن له فيها مآرب أخرى؟ هل تذكّر في منتصف حديثه أنه يحكي للإله ما يعرفه؟ وشعر بالحرج؟ تساءلت قليًلًا عن تلك المآرب الأخرى، ليس بالقدر الكافي لأبحث، قد تكون غير مهمّة كما قال صديقي نجيم، وقد تكون كبيرة بقدر استخدام صديقتي ريم لعصاها التي اشترتها البارحة، لتكون "شيخة القبيلة"، بالطبع ليس هناك قبيلة، لكنها شيءٌ من القوّة، من فرض السيطرة. عدنا للسيطرة. 

جربّت أن يكون لي عصا، في إقامة بيت شعيب، رقصت بها، وأخفت رجلًا، قال لي مزمرجيّ: "الرجّال لما يمسك العود، يحس إنه ملك الكون باللي فيه، يحس إنه أقوى رجّال في العالم، ومحد قدّه، العود هذا خطير!"، أليست تبدو كأنها مبالغة؟ أليست العصا أو "العود" مجرّد قطعة خشب؟ لكن.. أليست هي ما نشعل به النار؟ ونضرب به بعضنا؟ بصراحة، عندما أخفت الرّجل، شعرت بالقليل من الرضا، لم أهدّده بالضرب، لكنني ضربت الأرض بالعصا فقط. لم تكن أوّل مرة أخيف فيها رجلًا، أخفت الكثير من الرجال، لا أشعر بالفخر بذلك، ولا بالعار، لم أرد يومًا أن أخيفهم، لكنهم ببساطة يخافون، أتفهّم ذلك. لكن في هذه المرة عندما امتلكت العود، أعتقد أنني شعرت بالفخر؟ هل قصدت إخافته؟ هل نلوم قطعة من الخشب على مشاعر ورغبات وأفكار امتلكناها مسبقًا؟ 

في حديقتي الصغيرة.. من يقرأ هذا الكلام يعتقد أنني غنية بما يكفي لامتلك حديقة، وأنا فعلًا غنية، لكن ليس غنى المال، فأنا أدّعي ملكية حديقة الحي، رغم أنها في مربع آخر بعيدًا عن عمارتي. المهم.. كنت أتأمل العصافير وهي تنتقل من غصن إلى آخر، شاهدت فيديو مؤخرًا أيضًا عن الفراشة أو الحشرات الأخرى التي تنتقل ما بين الزهرات.. هل ينطبق ذلك على الكلمة، أو الآية، أو القصة؟ عندما تحطّ على لسان شخصٍ ما، ثم تأتي على لسان شخصٍ آخر.. كيف تتغيّر؟ كيف تتبدّل؟ تتأثر.. أعلم أني لا أقول شيئًا جديدًا.. لكن ربما ننظر للمجازات من منظور ضيّق في هذا العالم، ربما نشعر أنه تكرار مملّ لنفس الفكرة، تكرار متكلّف، بغيّة التباهي بمفردات اللغة وشاعريّة الكتابة؟ بينما أرى المجاز وسيلة نرى بها الفكرة بمنظور مختلف كلّ مرة، نتخيّل بها الكلمة بشكل آخر، قلت سابقًا أنها سمكة في كيس ماء، اليوم هي كائنٌ ذو أجنحة يتغيّر أثناء رحلته.. ربما تصبح غدًا شيئًا آخر. 

كان من المفترض أن أكتب رسالة! نسيت! ربما في الصفحة القادمة.

تعليقات

مقالات فنية

من هو القيم الفني؟

ماذا ينبغي أن يقول الفن؟

لا بأس، ستأتي فرصة أخرى