صفحات النّهار - الصفحة الأولى

 اليوم عيد، أمل لا يصدّق، رغبة عارمة في الرّقص، حلوى في كّل مكان.. أرسم في مخيلتي وجوهًا فرحة، وأسمح لقبي أن يشعر بالفرح لفرحهم، أبناء سوريا قاتلوا لأجلها، وفازوا في معركتهم. هل آن الأوان لي أن أخوض معاركي؟ هل معاركي تاكد أن تقترب حتى لأن تكون بنبل معاركهم؟

هذا العام مرّ بمرارة، شعرت بأنني مسمومة، رأيت وسمعت القذارة، لمستها، قبّلتها، دمي مسموم وقذر. أرهقني كلّ شيء، هل أقوى على القتال؟ أريد أن أكون قويّة. فرحة سوريا ذكّرتني بأني إنسان، وأن الإنسان يستطيع فعل الكثير، أن الإنسان إنسان لضعفه، ولقوّته أيضًا. قلت لنفسي بداية هذا العام، أنني سأقول خيرًا، كذبت. أن مسمومة حتى الجذور كما تقول الأستاذة تشارلي.

أرى الكتابة فعلًا تطهيريًا قويًا، وأنوي من خلال صفحات النّهار أن أطهّر نفسي من كلّ شيء، من ما تعلّمت من خبث ومكر، وحسد وبغض، ولؤم وحقد، ويأس وسؤم، وإلا لن أكون قويّة، لن يكون دمّي صافيًا أبدًا، أو ربما لن يكون لي دم. عن ماذا ستكون صفحاتي؟ لا أعلم، أفكار ومشاعر، يبدو أنني أكثر من الكتابة عن المشاعر وأترك الأفكار، لذلك أسرد هنا بعض الأفكار. 

اليوم خضت حوارًا مع صديق جديد، تحدثنا فيه عن الكثير، اكتشفت أن لدي الكثير من الآراء، لأكون صادقة، أعرف هذا منذ زمن، لكنني انزعجت اليوم عندما تذكّرت، لماذا لا تخرج هذه الآراء، أعتقد أن هذه الآراء والأفكار والمشاعر هي السموم المخزّنة في جسمي، تخزّنت في شكل قبول كاذب، في محاولة للتصالح مع الواقع. نعود لحوار الصديق، تحدثنا عن امرأة تدعى فاطمة، شاركت في ورشة عن الأبويّة، ولم تواجه مشاركتها بالقبول والإعجاب، بل الامتعاض، لكنها أثارت جدلًا استمر لأسابيع. كانت مشاركاتها بسيطة جدًا: أذان، بصوت امرأة. يالطيف، صح؟ أسمع شهيقًا عاليًا في قلب القارئ، وأسمع "واو" في قلب آخر. كانت مرات قليلة جدًا في حياتي، حظيت بها بالاستماع للقرآن بصوت امرأة.. صوت أمّي، تقرأ بصوت منخض جدًا بعد الصلاة، كان يبعث السكينة. بينما كانت مرات كثيرة، سمعت فيها صوتًا قبيحًا جدًأ للأذان، للرجل الذي عيّن لمسجد حارتنا.

أخبرت صديقي أن "صوت المرأة عورة" أمر لا علاقة له بالدين، بل من مخرجات الأبويّة القذرة التي ألصقت بالثقافة، وأخبرته عن امتعاضي وتقززي من إنسان يرى أن إسكات المرأة هو الحل، لنراعي مشاعر رجل مريض قد يشعر بالإثارة من صوت امرأة تقرأ القرآن، وأن إن كان للمرأة مكان في المسجد، وإن كان في آخر الصف.. فلها صوت ينبغي لها أن تصدح فيه بما تؤمن. أخبرني صديقي حينها أنه أصيب بحيرة قريبًا، حول كون المرأة بلا اسم، فهي أم فلان، أو بنت فلان، وأصبح يسترجع أسماء جدّاته، وأجداده، وعرف أنه لا يعرف! يعرف اسم جدّه الثالث، واسم جدّته الأولى فقط. تذكّرت حينها أمرًا كان يغصبني عندما كنت صغيرة، كيف كانت مدارس الطلاب تسمى باسم الصحابة، ومدارس الطالبات مرقّمة بلا اسم. أنا لستُ رقمًا. تأمّلت حينها علاقتنا بالـ"صحابيات"، أشهرهنّ تحديدًا، اشتهرن لأنهن كنّ "المفضلات" لشخصٍ ما، أو لعلاقتهم بشخصٍ ما. بينما الصحابيّ مشهور لما تميّز به من عمل خير، أو لشخصيته القوية؟ أو لذكائه العظيم؟ 

عزمت حينها على البحث عن مدارس الطالبات التي سمّيت باسم امرأة، تذكّرت حينها مركز سيدانة الثقافي بجدة، والذي سمّيت كل قاعة داخله باسم امرأة من التاريخ. عزمتُ أيضًا على استكشاف أسماء النساء في الشوارع، وعزمت على معرفة تاريخ كلّ منهنّ، ومالذي قد نراه فيها سوى أنه كانت الزوجة المفضّلة؟ أو الابنة المفضّلة؟ أو محبوبة رجلٍ ما؟ مالذي قد نرى فيها سواء جمالها؟ ومدى رغبة من حولها بها؟ 

تحدّثنا أيضًا عن عمل مضحك، لفنان صنع روبوتًا يقوم بالتسبيح بدلًا منك. أخبرته أنني أرى هذا العمل في معرض يومًا ما، بجانب عمل الفنانة زينة بخاري الذي رأيته بالأمس في مساحة مسك للفنون، وهو مأذنة منحنية فوق التراب، بإضاءة حمراء، وصوت شفرة مورس. لطالما اعتبرت الفن الإسلامي مقصرًا، وأن علاقتنا بموروثنا الديني تحتوي الكثير من التفاصيل التي تستحق التأمّل، هل هذه الأعمال تصنّف فنًا إسلاميًا؟ لا أعلم.. لكنّها أعمق وأجمل بالنسبة لي من كثير مما أراه في المتحف.

تعليقات

مقالات فنية

من هو القيم الفني؟

ماذا ينبغي أن يقول الفن؟

لا بأس، ستأتي فرصة أخرى