واحد، اثنين، ١٥!
اليوم الأوّل
أخرجت يدها من حقيبتها، تحمل دواء الحساسية وكأنه درع ضد خليط الروائح العالقة في الأقمشة التي تحيطها من كل مكان.
شعرت بغثيان شديد، عندما همّت بوضع الحبة في فمها، مدّت يدها الأخرى لتحضر قارورة الماء، فلم تجدها، ظلت توزّع نظراتها بين المكان تبحث عن القارورة، ثبتت سمّاعة الهاتف على أذنها وقالت:
"ماما دقيقة، بدوّر القارورة"
"كل شوية تضيّعي أشيائك، أخوك جابها لك من اليابان!"
"أعرف أنه جابها من اليابان، قاعدة أدور!"
بعدما جالت صفاء المكان كاملًا متبعة مسارًا متشعبًا تعتقد أنها مشت فيه، لأخذ صور كافية لتقتنع أن تصوير الفعاليات تمرين جيّد لها كمصوّرة، وتحدّي لم تكن لتفعله داخل منطقة الراحة.
أخيرًا، قرّرت أن تستسلم وتشتري ماءً من المقهى قبل أن تذوب حبة الدواء في يدها وتذوب خلاياها الدماغية التي لم تقتنع بتلك الأفكار.
"لو سمحتي، ايش حتطلبي؟"، تفاجأت صفاء بوكزة من غريبة وهي تتأمّل قائمة المشروبات.
"ايش؟" ردت صفاء وهي تتساءل إن كانت قد سمعت سؤال الغريبة خطأً بسبب الضجيج، وعما إذا كان هذا الكم من مستحضرات التجميل على وجهها مؤلمًا لخلايا بشرتها.
"معليش شكلي فجعتك، بس كنت بسألك ايش بتطلبي؟"
"ما أعرف لسه ما قررت، ليش؟"
"لأنه أنا كمان ما أعرف، قلت أشوف أول شخص قدامي وأجرب شيء جديد بدل ما أطلب نفس الشيء كل مرة، تعرفي لما تكوني تبغي تغصبي نفسك تخرجي من منطقة الراحة؟
"اووه، ايوا اعـ.."
"بالضبط دا اللي أبغى أسويه، ما أدري إذا جربتي قبل بس.."
"لو سمحتوا ممكن تطلبوا بس عشان وراكم طابور!" قاطعهما الموظف متململًا.
نظرت صفاء سريعًا إلى هاتفها واكتشفت أن والدتها أنهت المكالمة منذ زمن، ووجدت أن هذه اللحظة فرصة جيّدة للانسحاب بهدوء، هذا اليوم مرهق، وأنفها لا يحتمل،
اليوم الثاني
يتدفّق الدم بقوّة وحيوية في أوردة صفاء وهي تلتقط صورًا لعارضات الأزياء على المنصة، لطالما أرادت صفاء سرقة تفاصيل الحركة، وكانت تفاصيلهنّ مثيرة للاهتمام.
"واااااو! عادي أجرّب؟" تفاجأت صفاء بوجه فتاة البارحة مبتسمًا يتوسط الكاميرا، مختلطًا بحمرة خجل لم تصدّقها عيناها.
"ايش؟" ردّت بهدوء وهي تبعد الكاميرا عن وجهها، بعد أن تماسكت لكي لا تظهر فزعها.
"أنا زينب! ما تتذكريني؟ اتقابلنا أمس.. عند المقهى؟" قالتها زينب وهي تمسح العرق من جبينها بحركة سريعة.
"اوه، أهلًا زينب، ايوا اتذكرك طبعًا، بس ما وقتها ما قلتي لي.."
"اسمي؟ ايوا صح من جد ما قلتلك اسمي.. بس كويس تتذكريني، إن شاء الله بالخير؟ ههههه" زينب، مقاطعة.
تنهّدت صفاء، واستجمعت كلّ ما بها من لطف: "ايش كنت تبغي تجربي؟ أصورك؟"
"أصوّر! أحس مرا حلو إنك تصوّري، تشوفي الأشياء من قريب، زمان كنت أصوّر بس وقفت، ونسيت كل شيء صراحة، حتى ما أتذكّر ايش كان نوع الكاميرا اللي عندي.."
تنهّدت صفاء مرة أخرى، فأكملت زينب "بس تعرفي ما أبغى أزعجك شكلك مشغولة، بجيك وقت ثاني!"
شاهدت صفاء زينب مبتعدة، تأمّلت فستان زينب وعلى وجهها ابتسامة ساخرة، ظنّت أن هذه الفتاة أغرب شخص رأته في حياتها.
أثناء العرض، سرقت كلتا الفتاتين الفرص لتبادل النظرات والابتسامات، لم تفهم صفاء السبب، لكنها شعرت أن الابتسامة التي تركتها زينب على وجهها ظلت ثابتة لم تفارقها، وبين حين وآخر كانت تخفيها عندما تكمل التصوير.
بعد نهاية العرض، تسارعت نبضات قلبها بشدة، جمعت أمتعتها وأسرعت إلى سيارتها، لحقت بها زينب من مسافة بعيدة إلى مواقف السيارة، لكن عندما رأتها تركب السيارة توقّفت ولوّحت لها.
بعدما لوّحت لها بالمثل، مسحت صفاء اصبعها على قميصها لتزيل آثار حبة الدواء وهي تراقب زينب تعود إلى المعرض.
اليوم الثالث والأخير
تدخل زينب دورة المياه لتفقّد مظهرها في المرآة، بينما كانت تخرج أحمر الشفاه من حقيبتها، تسمع فتاة تبكي وتتحدّث على الهاتف داخل الحمّام:
"طاحت من يدّي! لا محد كلمني بس اليوم مرا زحمة عشان ويكند ولقيت الرجفة رجعت مرة ثانية وحسيت بدوخة"،
تظاهرت زينب بعدم الاهتمام ولكن حاولت ألا تصدر صوتًا وهي تضع الحقيبة على المغسلة، أكملت الفتاة:
"قلتي لي أعد لين ١٥، ما نفعت!" تذكّرت زينب هذه الخدعة، تبدو مألوفة..
سكت الفتاة في الحمام قليلًا، وبقيت تتنفّس، ظنّت زينب أنها إذا خرجت الآن سترتبك الفتاة عند سماع خطواتها، فبقيت تنتظر وتنظر إلى من سيخرج، خرجت صفاء.
"انتي!"
"معليش ما كان قصدي أسمع"
"ترى ماني ناقصتك"
"أنا عارفة، بس عادي أسألك، ايش موضوع الـ١٥؟"
"يعني كان قصدك تسمعي!"
"لا بس دكتورتي النفسية كانت تقولها لي، يمكن ما يبان عليا بس أنا عندي رهاب اجتماعي، وأسوي الحركة دي عشان أفصل شوية وأهدأ، لما أتوتّر أتكلم كثير، ولما أتكلم كثير انحرج، ولما أنحرج أهرب…"
أغمضت صفاء عينيها، لم تجد ما تقول، سكتت زينب قليلًا، وأكملت:
"يعني.. وضحت لك الصورة"
بقيت الفتاتين في صمت، عندما همّت زينب بحمل حقيبتها للخروج، سألتها صفاء:"ليش جيتي؟"
"كيف يعني؟"
"ليش خلتك تجي؟"
"ما خلتني، بس عرفت إني لو كملت كدا بوصل الثلاثين بدون صديقات.."
"قلتي لها إنك هنا؟"
"لا."
"تبغي تجربي تصوري؟"
"ايوا."
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خيريّة، تجرّب كتابة القصة القصيرة للمرة الثانية.
الثلاثاء ٢٣ مايو ٢٠٢٣
١١:٣٠ مساءً
تعليقات
إرسال تعليق