منتصف رمضان، بماذا نشعر حتى الآن؟

 تجربتي مع رمضان مختلفة كل سنة، هناك ما يتكرّر ويتشابه بالتأكيد ولكن كل سنة يتضّح لي جانب جديد من هذه التجربة.


في صغري اقتصر مفهومي عن قيمة الصيام على الامتثال والاتعاظ، لم أهتم كثيرًا لأنه كان سهلًا وبسيطًا، لكنت كنت أسأم ما أسمعه في مدرسة تحفيظ القرآن من حديث مكرّر ومهوّل مثل: "رمضان ما له علاقة بالزينة والأكل والمسلسلات وله قيمة أكبر وأننا مشتّتين عنها" وللأمانة ما استشعرتها.

في مراهقتي اهتمامي بالصوم كان متعلّق أكثر بالجانب الصحي، النظام الغذائي، المحافظة على الوزن، لكن لا زال المعنى مفقود، بالرغم من ذلك تجاهلت حديث المدرسة البائس في الصغر وبدأت أستمتع بالطقوس والأجواء الرمضانيّة أكثر، جمعتي مع أهلي على الإفطار كانت تعني لي أكثر لأني في مرحلة المراهقة بدأت أغرف صحني وأتناول أغلب الوجبات وحدي، أعمال الخير في رمضان صارت أمتع، صرت أقودها بدلًا من الاكتفاء بالمشاركة.. لكن لا زالت مجرّد متعة.


أوّل مرة أشعر بالروحانية في رمضان كانت عند أول وظيفة لي في بداية عشريناتي، كنت أقضي أغلب وقتي مساءً في العمل والحركة، مع تركيز قليل جدًا على الأكل، لكن نظامي الغذائي كان صحي وخفيف بالتشارك مع زميلات العمل، كنت أختلي بنفسي كثير بين ورديّة عمل وأخرى، هذه الفرصة كانت عظيمة لاتخاذ مقام الصمت والجلوس مع نفسي وفهمها، قدرت في هذه الفترة اتخذ قرارات كثيرة أثرت على مستقبلي بشكل جذري..
من حسن حظّي أن عائلتي ليست من النوع اكثر من استقبال الضيوف في رمضان وإلا قضيته في البحث عن الملابس والاكسسوارات المناسبة والأحاديث والمجاملات والطبخ والتنظيف.

كل الرمضانات بعدها كانت متشابهة، حتى أتى رمضان في بيتي الخاص في ٢٠٢١، فيما عدا اليوم الأول مع العائلة.. قضيت أغلبه وحدي، أو برفقة أصدقائي، صنعنا طقوسنا الخاصة، نظامنا الغذائي الخاص، أجواءنا وأحاديثنا كانت مختلفة، أنشطتنا كانت مختلفة، ممارسة اليوغا لأول مرة في العلن فتحت لي أبواب كثيرة استكشفت من خلالها مشاعر كثيرة مختبئة داخلي وحدّدت أشياء كثيرة غيّرتها بعد هذا الشهر، حواسّي جميعها كانت أقوى، وعيي كان أعلى، عملي كان أقل حركة، لكن طاقتي كانت أعلى.

اكتشفت أنك لما تصنع طريقتك الخاصة في قضاء هذا الشهر وتتحكّم بها ١٠٠٪، تحدّد مشاعرك تجاهه بدقّة أكبر..


قبل سنة، في بودكاست إنسان حقيقي للدكتورة هبة آيان، في حلقة "كيف تكتئب في رمضان!" تكلّمت عن مشاعر الشخص المكتئب في رمضان وكيف يعاني من نظرات المجتمع الدونية واحتقارهم له إذا عبر عن مشاعره، كيف يتجرّأ على الاستمرار في مرضه النفسي اللي ما يقدر يتحكّم فيه حتى في رمضان شهر الروحانيّات والسعادة اللامتناهية؟ تكلّمت هبة عن تأثير المناسبات الاجتماعية على المكتئب في رمضان.. قد تخفّف من المشاعر السيئة من خلال التواصل الاجتماعي، أو تزيد حالات القلق والهلع بسبب الضغط الاجتماعي في الظهور بأفضل شكل والحديث والمقابلات..الخ

هذه الحلقة تناولت فيها هبة محاور كثبرة ساعدتني أركّز على مشاعري وصحتي النفسية أكثر خلال هذا الشهر، وكيف أتعامل مع الناس بمختلف حالاتهم النفسية وهل أنا أشارك في ممارسة هذه الضغوط؟ اكتشفت أن حتى الشخص غير المصاب بالاكتئاب قد يشعر بالضغط خلال هذا الشهر، نبّهتني صديقتي آلاء أن الناس في منتصف السنة (ابريل-مايو-يونيو) يبدؤوا في مراجعة إنجازاتهم مثل بداية السنة تمامًا، وهنا يستوعبوا أن نصفها انتهى دون تحقيق ما وضعوه من أهداف.. وهذه الأفكار تستحثها أسئلة الأقارب والأصدقاء خلال المناسبات والجمعات الكثيرة في هذا الشهر، وقرأت في هذه السنة عن انتشار الاكتئاب وحالات الانتحار في مواسم الأعياد في البلدان الأخرى وكان أمر صادم بالنسبة لي وصرت أكثر وعيًا بأن هذه الأوقات حسّاسة وواجب نعتني فيها أكثر بأنفسنا ومن حولنا.


رمضاني هذه السنة بعنوان "ما عندي طاقة"، كل سنة كان رمضان يستحثّ عندي رغبات التغيير، تقليل السكر، تقليل القهوة، قطع الدخان، رياضة أكثر، أكل صحّي أكثر، ولاحظت نفس هذه الرغبات فيمن حولي، في السنوات الماضية كان الأمر أسهل..
لكن هذه السنة، أنا في مدينة جديدة، مزدحمة، وقتي ضيّق بسبب العمل، نظام نومي بالكاد أصلحته قبل رمضان تم إفساده مرة أخرى، نظامي الغذائي المعتمد على الوجبات الخفيفة في النهار كل ساعتين أصبح وجبة واحدة ثقيلة في الليل، أكواب الماء بين كل ساعة وأخرى خلال النهار اختفت، بالكاد أتذكّر كوب واحد أو اثنين عند الوجبات الليلية، أوقات الراحة قليلة جدًا بين العمل في النهار والدراسة في الليل وإنهاء المهام المنزلية والواجبات الاجتماعية، لا أجد الوقت ولا الطاقة للطبخ، بالتالي أعتمد على الوجبات الجاهزة السريعة، أفتقد أهلي وأصدقائي.. بوضع جميع هذه العوامل في الاعتبار، هذا العام أسوأ رمضان بالنسبة لي.

هذا العام أيضًا بدأت الانتباه لحال غير المسلمين في رمضان، وقلقهم من الأكل أمام العامة، وخوفهم من وصمة العار، المحلّات المغلقة والمحلّات التي ترفض بيع الأطعمة في النهار، انتبهت لمن يأخذ الصيام عذرًا للتكاسل عن العمل، والغضب والتعدي على الآخرين ورمضان حجّة للتدخل في أمورهم، انتبهت للكمّ المهول من المحتوى الفارغ الذي يطاردني عبر أسئلة مثل "شفتي طاش؟" وشاشات المقاهي التي قررت أن تعرض موسم "رامز شيءٌ ما" لتستفزني حتى تخرج أسوأ ما بداخلي، متاجر أحتاج أن أشتري منها الضروريات لا أستطيع معرفة مواعيد عملها لأنها لا تهتم بتحديثه وكأن رمضان يجب أن يوقف كل شيء، وlحاولات الشركات المستميتة لحثّي على شراء ما لا أحتاج من زينة وملابس وديكورات مكانها فوق الدولاب حتى السنة القادمة لموسم رمضان والعيد على حد سواء..

رمضان هذه السنة أتعبني كثيرًا، وأتمنى أن أقضي ما تبقّى منه في هدوء وسلام.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خيريّة، جائعة وتلتفت كثيرًا بين الفصحى والعاميّة دون اهتمام.
الأحد 9 ابريل 2023 - 18 رمضان 1444
2:48 ظهرًا

تعليقات

مقالات فنية

من هو القيم الفني؟

ماذا ينبغي أن يقول الفن؟

لا بأس، ستأتي فرصة أخرى