وعود السنة الجديدة، هل لها قيمة؟

 كغيرها من المواضيع العادية التي نجح البشر في وضعها محل جدال واختلاف، انقسمنا حول "وعود السنة الجديدة" إلى فريقين: فريق يرى أنها ضرورية لتطوير الذات وتحفيزها وفريق آخر يرى أنها مضيعة للوقت ووهم نتحمّس له لنصف شهر ونتركه.


قد نرى شهور السنة مجرّد أرقام لا معنى لها بعض الأحيان، وقد يكون ذلك صحيحًا! فأنا أرى أننا نحن من وضعها ووضع لها المعنى. تخيّل التاريخ بلا تاريخ؟ يالها من فوضى! إن أرقام الشهور والسنوات موجودة لكي نستطيع تأمل أحداثها بدقة داخل ذاكرتنا وننقد منها ما نشاء ونكرم منها ما نشاء. وحين نفعل، نستطيع عندها تأمل أثر كل حدث على قلوبنا، عقولنا، ومن ثم تصرفاتنا. 

وعود السنة الجديدة لا تعني شيئًا إن لم نقرأ أنفسنا في سنواتنا الماضية ونفهم جيّدًا ما نحتاجه بحقّ، لسنا بحاجة إلى "تحدّي" جديد نلوم أنفسنا إذا ما لم نفز به.. فالحياة مليئة بالتحدّيات، لكننا بحاجة لرؤية نضعها نصب أعيننا وقطرات من الإنجاز تروينا أثناء رحلتنا نحوها.

ما يجعل هذه الوعود تنبذ في العادة هو أنها نرسمها كمهمّة مستحيلة "أقرأ كل يوم عدد كذا من الصفحات، أتمرن كل صباح، أمارس هوايتي لهذا العدد من الساعات..الخ" ثم نحسب كم نملك من الساعات والدقائق خلال اليوم وكيف سنقضي كلًا منها وكاننا آلات بشريّة نضع لأنفسنا الأوامر وننفّذها. 


تجربتي في هذا الأمر بسيطة، استعنت فيها بالكتابة.. لن أخدعكم وأقول أنني أكتب كلّ يوم لكنني أكتب حين أستطيع مواجهة ذاتي على الورق. كلّ سنة أمتلك دفترًا جديدًا، أدوّن فيه أحيانًا بعض الأفكار والمشاعر، وملاحظات العمل أحيانًا، وتساؤلاتي كثيرًا من الأحيان. وحين أمرّ بنهاية السنة أقرأ نفسي من خلاله، وأربط بين مشاعري المسجّلة على الدفتر، وتواريخ السنة وأحداثها، تنقّلاتي، أوقات مرضي، الرفقة، تغيّرات الفصول..وغيرها.

حين أبدأ عامي الجديد، أضع لنفسي ٣-٥ أهداف كبرى، و٣-٥ صغرى، لدي فيها ١٢ شهر لتحقيقها، قد أتوقّف ثم أعود، قد أفي بها وأكثر وقد أقوم بنصفها، قد أتركها بداية السنة وأنظر لها في منتصفها، لا أهتم في الحقيقة.. لكني عندما أعود للدفتر في نهاية السنة كعادتي أجد دائمًا أن السنة لا تنتهي إلا وقد حقّقتها كلّها بشكلٍ ما. ودائمًا ما أرسم أهدافي في شكل رؤى بدلًا من صياغتها كمهام يجب تنفيذها.


لم تكن يومًا وعودي لنفسي أمرًا أحاسبها عليه، بل تذكيرًا لها بما يحقّق لها سعادتها.. وأحب وقتي الذي أمضيه معها في صنع تلك الوعود واستأنس به. 


خيريّة، ترسم الوعود.

الأحد ١٥ يناير ٢٠٢٣

٩:٠٧ صباحًا

تعليقات

مقالات فنية

من هو القيم الفني؟

ماذا ينبغي أن يقول الفن؟

لا بأس، ستأتي فرصة أخرى