حديث بلا متحدث، أو متحدّث بلا حديث؟
في فعاليّة لطيفة حضرتها نهاية الأسبوع الماضي،
خاض الحضور تجربة عميقة من المفترض أن يتبعها حوار قصير لمناقشة انعكاس التجربة على مشاعرنا ووعينا،
كانت التجربة ثقيلة جدًا.. لسوء حظنا لم تكن إدارة الحوار فعّالة ولم يستطع الكل المشاركة في الحوار،
لكن لحسن حظي تعلّمت شيئًا واحدًا من هذا الحوار، وهو كيف أن أخوض نقاشًا دون أن أخوضه..
كيف أتحدث ولا أقول شيئًا، كيف أتحدث عن المشاعر وكأنها تجربة في مختبر على فئران!
دعوني أشارككم بعض هذه الطرق القيّمة:
الطريقة الأولى: الوعظ
لماذا أتحدث عن مشاعري وأفكاري؟ وأشغل نفسي بالغوص في داخل أعماقي وأعمل على أمورمعقّدة مخزنة منذ سنوات؟ هذا مرهق.. هيا بنا نمارس فن التنظير ونتحدّث عن الأجيال القادمة ونعطي الآخرين نصائح في التربية وتهذيب النفس ورقيّ الأخلاق ونرفع شعار القيم!
الطريقة الثانية: أنا الأفضل
لا بد أن أنسف كل شيء، أنفي كل شيء، إلا ما تبنّيته لنفسي، وأتحدث عن روعة أخلاقي وقيمي الراسخة وما اتخذته لنفسي من مبادئ وأترك المسألة برمّتها، هذه فرصتي لأتحدّث عن بطولاتي وسبب تميّزي وتمحور الكون حول مثاليتي المفرطة.
الطريقة الثالثة: أنا لست هنا
لماذا أعبر عن رأيي الشخصي وأحكي عن تجاربي؟ بينما يمكنني الاقتباس من أول كتاب على رف الكتب الأكثر مبيعًا في جرير؟ لنختبئي خلف الكتب فإن مسؤولية الرأي مخيفة، كما أن هذه فرصة ليعرف الجميع عن ثقافتي الواسعة وذكائي الحاد.
الطريقة الرابعة: النسبية
"بس مو دائمًا"، "لكن مو شرط"، "لا نعمّم"، "هذه تجربتك"..الخ، كلها طرق لنقتل بها روح أي حوار، لم أحمل عبء تكوين الرأي؟ بينما يمكنني أن أكون إله الدمار؟ وأحرق كل الآراء؟ لنقف كلنا موقف الحياد من كل شيء.
والكثير من الطرق الأخرى الممتعة نخلق بها وهم التواصل، لماذا نرهق أنفسنا بالتكشّف للآخرين؟ هل نخسر شيئًا من الحقيقة؟ نحن لا نحتاج الآخر لنعرف أنفسنا، نحن بخير، نحن هنا لمساعدة الآخرين فقط.
تعليقات
إرسال تعليق