صفحات النّهار - الصفحة العاشرة

 مبروك يا أصحاب! وصلنا الصفحة العاشرة! ما أعرف ليش رقم 10 مرة مهم، أذكر أنّ جورج كارلين حكى عن الوصايا العشر مرة، وقال أنها ليست بحاجة أن تكون عشر وصايا.. قال بأن رقم 10 مبالغ فيه.. وحذف بعض الوصايا، وبالغ هو أيضًا وجعلها وصيّة واحدة.. هل ستؤمن بدين له وصيّة واحدة؟ لا أعتقد..

عمّ نريد أن نتحدّث اليوم؟ أعتقد يا جماعة أن الكاتب لا ينبغي أن يكون ثرثارًا، أو ينبغي؟ لا أعرف، ألاحظ أني لا أكتب كثيرًا عندما أثرثر عن ما يدور في بالي. أكتب أكثر عندما لا أجد الفرصة للحديث. ما الفائدة من صفحات النّهار؟ أقوم بها منذ ديسمبر أعتقد، ولم تساعدني على البدء في كتابي الذي أريد أن أكتبه.. كنت أتعذر بأنها ربما قد تساعدني على "تنمية عضلة الكتابة" لدي، أو بالأحرى: تصحّيها. لكن أليست العضلة مستيقظة؟ فكّرت الآن، ربما.. أبدأ بكتابة المسودّات بدلًا من صفحات النّهار.. مثلًا؟ قاطعت هذه الفكرة مديرتي وهي تتّصل، غالبًا لأن رسائل الواتساب لا تصلني، لأني أغلقت الإشعارات. ما الفائدة من اختيار يوم الأجازة إن كنتِ ستتصلين بي في كلّ الاحوال؟

ما علينا، قبل رحلتي إلى جدة، قلت: "حقعد كم شهر في جدة، فرصة! أخلّص المسودّة الأولى!" في أول أسبوعين، قضيت وقت فراغي مع العائلة والأصدقاء، وأعود كل يوم من عملي مرهقة ولا أقدر على فعل شيء. كيف يفعلها محمّد؟ تساءلت، ثم تذكّرت أنني كنت أفعلها من قبل! لم يبدو الأمر صعبًا الآن؟ لم يبدو اليوم قصيرًا؟ وجسدي مرهق؟ ليش مديرتي اتصلت؟ لا أريد أن أعرف. أريد حلًا. 

أعرف يا أعزائي القرّاء أن هذه الصفحة مملّة، والله أنا أيضًا أشعر بالملل وأنا أكتبها لكم، لأنه من الواضح أنني لا أملك شيئًا للحديث عنه، كاتب يتحدّث عن الكتابة؟ وعن شعوره بالذنب لأنه لا يكتب؟ لا شيء جديد هنا. تقدروا تقفّلوا الصفحة وتعودوا إلى حياتكم. ربما.. أيضًا.. تزعجكم طريقتي في التنقّل بين الفصحى والعاميّة وإكثاري من هذي النقطتين.. بعد كل كلمة.. صح؟ 

واضح أني أتسلى. لهذه الدرجة صفحتي مملّة، لم أتوقّع أن تجري الصفحة العاشرة بهذا الشكل والله، كان لديّ آمال كبيرة! تذكّرت الآن، أننا كنا نتشارك ما نكتب، لن أقول اسمه.. لم أخبر صديقتي البارحة أنني أحب طريقته في الكتابة.. هل هذا هو "الحنين"؟ هل الحنين شعور كاذب؟ أحيانًا أشعر أن الحنين خدعة، أننا نتصنّع الحنين، لهدف آخر! في رأيي، كلّ شعور نعرفه، يختبئ خلفه شعورٌ آخر لم ندركه، وربما وراء الآخر شعورٌ آخر.. وهكذا. ستقولون: أين سنصل في الأخير يا خيريّة؟ وأقول: مدري بس خلاص مشّوها، ألا تتفقون معي؟ أليس من يدّعي بأنه شخص "نوستالجيك" -أصبحت أكره هذه الكلمة btw- هو في الحقيقة شخصٌ يشعر بالعجز، أو الفزع؟ شخصًا لا يستطيع تحمّل الحاضر، أو تخيّل المستقبل.. شخص.. يرى أن حنينه ينبع من رومانسيته، لكنّه مجرّد خوف من المواجهة.. يمكن كبّرت الموضوع. لكن فكروا فيها. 

كيف الصفحة دحين؟ هل تعتقدون أنني كنت أتحدّث عن نفسي؟ أنا لا أعرف بصراحة. لكن لديّ نظرية، أعتقد، أنني أحيانًا.. أمتلك الكثير من المشاعر، الكثير الكثير، لأني أرى أشياء كثيرة، وأسمع أشياء كثيرة، وبصراحة.. أفكّر فيها كلّها، لا أتجاوز شيئًا، أنا judgemental يقولوا، يعني.. لديّ حكم على كل شيء، بصراحة، غير صحيح هذا الكلام! هناك أمور كثيرة في الحياة مؤخرًا، لا أمتلك رأيًا حوله، ولا أريد أن أفكّر فيها، أعتقد أن كلّ إنسان لديه قدرة بسيطة، أو ربما نطاق محدود، يستطيع فيه إدراك ما حوله، ربما صرفت جهدًا كبيرًا في توسعة هذا النطاق في السابق، ظنًا مني أن هذا سيجعلني.. أذكى؟ أو ربما كانت غريزة بقاء؟ لكنني أؤمن الآن أن عليّ أن أستسلم للأمر الواقع، ربما هذا نطاقي الآن؟ لست بحاجة أن يكون أكثر وسعًا مما هو عليه. 

تقول أميرة الفجر:" I cry for the world, for everyone"، لا أرى أن ذلك خطأً، لكن ليست حقيقة، أنا أريد أن أبكي للعالم، أو أشعر أنني أبكي للعالم، لكنني في الحقيقة أبكي حول ما أعرفه فقط عن العالم، لا أبكي للجميع. أليس ذلك لطيفًا؟ أن الإنسان يودّ أن يكون كريمًا حتى في مشاعره! يودّ أن يشعر بالعالم أجمع، وأن يفرح مع الفرحين، ويبكي مع الحزانى.. في ذلك شيءٌ من الدفء صراحة.. 

الحقيقة يا أعزائي القرّاء، أنني بدأت هذه الصفحة بلا شغف، لم أرد أن أكتبها، لكن الآن.. لا أريد مفارقتها، لأنني أعرف أنني بمجرّد الضغط على زر "نشر"، سأفكّر في اتصال مديرتي، وسأمسك بهاتفي في قلق، وربما أفتح الرسائل! آخ. انتهت الصفحة. 

تعليقات

مقالات فنية

من هو القيم الفني؟

ماذا ينبغي أن يقول الفن؟

لا بأس، ستأتي فرصة أخرى